أجمل القصص القصيرة """"""قصص الفراعنة للأطفال
7-5-2009
عصر القصة ..الدولة الوسطى (عام 2160 ق.م- 1700 ق.م)
تقع فصول هذه القصة في عصر الدولة الوسطى، الذي يعتبر بحق من أهم العصور في تاريخ مصر القديم. إذ تم فيه إنقاذ البلاد من الفوضى التي كانت تعانيها إثر سقوط الأسرة السادسة (الدولة القديمة)، حينما ساد البلاد عصر مظلم استغرق حوالي 300 عام، ولا يعرف عنه سوى أن الحكم كان بين طائفة من الأمراء المحليين الضعفاء، الذي كانوا يتقاتلون فيما بينهم، حتى تمكن أحد أمراء طيبة ويدعى \"أنتف\" من قهر منافسيه، وصار سيدا للجزء الأعظم من مصر، وتلاه بعد ذلك خلفاء يسمون باسم \"أنتف\" أو باسم \"منتوحتب\"، وكونوا الأسرة الحادية عشرة، التي تعبر بداية الدولة الوسطى، وجاءت من بعدهم الأسرة الثانية عشرة (عام 3000 ق.م)، التي امتدت في عهدها حدود مصر إلى السودان، كما أقيمت بالبلاد بعض مشروعات الري العظيمة، وخصوصا في إقليم الفيوم.
وقد امتازت هذه الأسرة بقوة حكامها، وقدرتهم، وكفايتهم ، وبلغت البلاد في عهدهم حد الكمال في الإدارة، والأدب، والمستوى الرفيع في الفنون والصناعات، حتى أصبح هذا العصر يعرف بالعصر الذهبي في تاريخ مصر، ويحمل أشهر ملوك هذه الأسرة عادة اسم : (أمنمحات) أو (سنوسرت).
القائــــــــد أمنمحــــــــات
كان يحكم مصر منذ أكثر من أربعة آلاف سنة،ملك يدعى (منتوحتب الرابع)، وهو آخر ملوك الأسرة الحادية عشرة، وكانت عاصمة ملكه مدينة (واست)، وهي الأقصر الحالية، وكان على رأس جيشه قائد عظيم يدعى (أمنمحات) ولد في مدينة (نخن) من أم نوبية، ولكنه نشأ وترعرع في مدينة واست، حيث مارس تعليمه العسكري، ثم التحق بالجيش، وتدرج في مختلف الرتب حتى وصل إلى مركز القيادة العامة.
وكان هذا القائد محبوبا من الملك ، مقربا إلى قلبه، يعهد إليه بأهم شؤون الدولة، كما كان يستشيره في أدق أمورها، وقد أثارت هذه الثقة حفيظة بعض رجال الحاشية وقواد الجيش، وعلى رأسهم القائد (مس عنخ).
بعثــــــــــــة المحاجــــــــــــر
وكان الملك في تلك الأيام قد بلغ من الكبر عتيا، وأصبح يفكر في آخرته، فأمر بعمل تابوت حجري يليق بمكانته السامية، وسرعان ما قام العمال والصناع بتنفيذ ما أراد، ولكن التابوت كان ينقصه قطعة كبيرة من الحجر، ليصنع منها غطاؤه، ولكي يتم ذلك على وجه السرعة، أرسل الملك قائده (أمنمحات)على رأس بعثة يبلغ عددها عشرة آلاف رجل إلى محاجر وادي الحمامات، لإحضار تلك القطعة الحجرية، والعودة بها مسرعا، ولما طال انتظار الملك لعودة قائده (أمنمحات) عدة شهور ، تملكه القلق لغيبته، واستبد به الجزع لشعوره بدنو أجله.
وفي ذات يوم تحامل الملك على نفسه، وخرج إلى قاعة العرش يحيط به رجال الحاشية وبعض قواد الجيش،وما إن تجاذبوا أطراف الحديث، حتى قال أحدهم للملك إنه يحمل إليه بشرى عودة قائده (امنمحات) مظفرا، ومعه قطعة لا مثيل لها من الحجر الصلد الجميل، فسر الملك سرورا بالغا وقال:
أحضروه توا لمقابلتي، لأني في أشد الشوق إلى رؤيته وسماع قصته.
الوشايــــــــــــــــــــــــــــة
ولم يعجب هذا الحديث القائد (مس عنخ) الذي كان يكره (أمنمحات) ويحسده، فتقدم صوب الملك ووجه إليه الحديث قائلا:
إنني كنت أعلم يا مولاي أنه سيحضر على عجل، وهو يعلم بمرض جلالتكم، وليس هناك غيره من يستطيع الاستفادة من جميع الفرص.
فنظر إليه الملك في دهشة، وقال له:
ماذا تقصد بتلميحات هذا يا (مس عنخ)؟
فرد عليه القائد قائلا: إنني في الحقيقة يا مولاي أكره (أمنمحات) هذا كرها شديدا ، لما يقوم به من مناورات ومؤامرات ضد عرشكم المفدي!
فقال له الملك غاضبا: وما دليلك على ذلك أيها القائد؟
فرد عليه قائلا: لقد سمعت أنه استغل عطف مولاي عليه، فأخذ يذيع في طول البلاد وعرضها بأنه من أصل ملكي، مع أنه ابن تلك الجارية النوبية.ثم أخذ بعد ذلك يتحبب إلى الشعب، ويتقرب من رجال الجيش ، ويظهر سخطه علانية على سوء الحالة في البلاد، ويبشر الناس بشروق فجر جديد تتحقق معه الآمال.
فقال له الملك شاردا: وماذا تستنتج من كل هذا يا (مس عنخ)؟
فرد عليه مسرعا: إنه ولا وشك يمهد لنفسه ولاية الملك من بعدكم يا مولاي، خاصة وهو يعلم أنه ليس لجلالتكم وريث للعرش، ثم هو على حد قوله من سلالة الفراعنة القدماء، أضف إلى ذلك أنه أكبر قائد في الجيش، وتحت إمرته الجزء الأكبر من جنده، فضلا عن حب الشعب له، ولقد بلغت الجرأة بأمنمحات هذا يا مولاي، أنه أخذ ينقش اسمه وألقابه بجوار اسمكم الملكي، على أحجار المحاجر في وادي الحمامات وغيره، كما أخذ يتحدث عن نفسه في تلك النقوش بأكثر مما يتحدث عن جلالتكم.
نبــــــــوءة نفــــــــر رهــــــــو
وتابع القائد حديثه قائلا: هذا وقد أخذ أعوانه يا مولاي ينشرون في طول البلاد وعرضها، تلك النبوءة القديمة المنسوبة إلى أحد حكماء الدولة القديمة المدعو (نفر رهو)ويؤكدون للناس أن أمنمحات هو المقصود بها، ومن أسف يا مولاي أن كثيرا من الناس أخذوا يصدقون حديثه، بل اقتنع الكثير منهم بما رواه أعوانه عن هذه النبوءة.
فدهش الملك وقال : ولكنك لم تخبرني عن أصل هذه النبوءة يا (مس عنخ) فرد عليه القائد قائلا: روى أن الملك سنفرو مؤسس الأسرة الرابعة بالدولة القديمة، كان متضايقا في إحدى الليالي، فأرسل في استدعاء موظفي قصره ورجال حاشيته، وقال لهم: (لقد أحضرتكم لتجدوا لي من بين أبنائكم ابنا يجيد الفهم، أو أخا يحسن الحديث، حتى أجد فيما يقول ترويحا لنفسي مما ألم بها من ضيق وهم، وحتى يكون لي نعم السمير الأنيس.
وما إن فرغ من حديثه حتى انبطح الجميع على بطونهم في طاعة وخشوع، وقال أحدهم :يوجد يا مولاي مرتل عظيم للآلهة (باست)، اسمه (نفر رهو) وهو إلى جانب إتقانه لفن الحديث، قوى الساعد، كاتب حاذق الأنامل.
فقال الملك : (اذهبوا وأتوني به سريعا).
فقام رجال الحاشية وأحضروا الكاهن مسرعين وأدخلوه فورا على الملك، الذي رحب به قائلا:
(لقد سمعت عنك كلاما عطرا طيبا، وإني مشوق لسماع حديثك الجزل، الذي أراني إليه ليشيع في قلبي المسرة
)فقال الكاهن (نفر رهو): هل تحب يا مولاي أن تكون كلماتي عن الأمور التي حدثت، أو عن التي سوف تحدث؟
فقال جلالته: إني أريدها عما سوف يحدث.
فقال له الحكيم : استمع إلى يا مولاي، فإنه سوف يحدث بعد عهدكم بأجيال طويلة، أن تحل الفوضى في البلاد، حتى يصير الابن عدوا لأبيه، والأخ خصما لأخيه، ثم يحل القحط بالبلاد، وعندها يظهر رجل من الجنوب اسمه أميني (تدليل أمنمحات)، وهو ابن لامرأة نوبية، فيستولي على مقاليد الحكم، ويوحد البلاد، وينشر في ربوعها الأمن والسلام، فيحبه المصريون، ويفرح به أهل زمانه.
وتابع القائد (مس عنخ) حديثه للملك قائلا: هذه هي النبوءة يا مولاي، ولعلك تستطيع أن ترى ماذا يقصد امنمحات من ترديدها.
ولم يستطع (مس عنخ) أن يكمل حديثه، إذ أعلن الحاجب فجأة عن دخول القائد أمنمحات، فسكنت الأصوات، وتعلقت الأنظار بباب القاعة، حيث دلف أمنمحات منتصب القامة ، مرفوع الرأس، ثم تقدم إلى حيث يجلس الملك بخطى عسكرية رتيبة، وحياه بكل أدب وخضوع، وعندئذ نسى الملك كل ما قاله مس عنخ، وطلب من أمنمحات أن يجلس بجانبه ليحدثه عن رحلته الأخيرة.
مغامــــرات أمنمحــــات
وهنا أخذ أمنمحات بقص عليه ما حدث، وما أصابه من توفيق، وكيف أنه تمكن من إحضار قطعة فريدة من الحجر الصلب، وكيف كاد أن يفشل في الحصول عليها، ولولا معجزة نزلت عليه من السماء ساعدته على قطع تلك القطعة الحجرية.
قال أمنمحات للملك: لقد كدت أيأس يا مولاي، إذ كانت صلابة الأحجار أقوى من معاول جندي وعمالي، فرفعت رأسي للسماء مستنجدا، فلم تخيب الآلهة رجائي
وإذا بغزالة لا أدري من أين أقبلت، رأيناها تتهادى نحونا، ثم تنظر إلينا، ثم تتركنا متجهة إلى صخرة كبيرة خالية من كل العيوب، فتقف عليها، وتضع فوقها وليدها فأسرع رجالي إليها فرحين ،وامسكوا بها وإذ بغزالة تتهادى نحونا...وذبحوها، ثم أحرقوها قربانا للآلهة، وفي الحال انشقت الصخرة بدون عناء، فأسرعنا إليها وأعملنا فيها معاولنا، وتمكن العمال من قطع الحجر الذي أعد ليكون غطاء لتابوتكم الملكي.
ثم واصل القائد حديثه قائلا : ولم تكن هذه يا مولاي هي المعجزة الوحيدة التي قابلتني، فلقد ظهرت لي أشكال الآلهة، تجلت شهرتي للناس، فانقلبت الصحراء إلى بحيرة، وجرى الماء حتى وصل إلى حافة الحجر.
كما عثرنا على بئر لم يرها أحد من قبل، ولذلك أمرت بذبح الماشية والماعز قربانا للآلهة ، وأحرقت البخور لرب المنطقة شكرا، وقد عدت سالما برجالي جميعا دون أن يمسهم سوء، ودون أن أفقد منهم رجلا واحدا، كما لم ينفق من دواب الحملة دابة واحدة.
واستحوذت هذه الأقصوصة على قلب الملك ، فنسي كل شيء آخر، وأمر بجائزة كبيرة للقائد أمنمحات ورجال بعثته، وانصرف القائد العظيم من حضرة الملك ، وهو ينظر ساخرا في ازدراء إلى رجال الحاشية الذين طاش سهمهم في وشايتهم، ورد كيدهم له وحقدهم عليه إلى نحورهم، بعد أن أيقنوا من حب الملك لقائده أمنمحات، وتقدير الشعب لأعماله العظيمة.
أمنمحـــات علـــى عـــرش مصـــر
لم تمض على تلك الأحداث بضعة أشهر، حتى لازم الملك (منتوحتب) الفراش، واشتد به المرض، وأصبح من المتوقع أن تنتهي حياته الحافلة بين آونة وأخرى. وفي فجر يوم من الأيام، بينما كان القائد (أمنمحات) نائما في فراشه، إذ به يستيقظ على طرق عنيف عاجل على باب قصره ، فنزل يستطلع الأمر، فإذا بأحد حجاب القصر الملكي ممن وضعهم في خدمة الملك لرقابة حاشيته، ينهى إليه نبأ وفاة الملك، ويهمس في أذنه:( لقد مات الملك في منتصف الليل، وقد حاول رجال الحاشية إخفاء النبأ عنكم حتى يدبروا أمرهم، فيضعوا على العرش أحد الأمراء الموالين لهم).
9: