أغنياء مصر ... وبزنس الصدقة والتبرعات...!!!
يقول المولى عز وجل فى كتابه الكريم..
«يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافًا»
هكذا أراد الله سبحانه وتعالى للفقراء والمساكين.. العفة والعزة والكرامة والكبرياء.. وهم أغنياء بيقينهم، أعزة بصبرهم لا يلحون فى السؤال وإلا تحولوا إلى شحاذين.. وقول المولى عز وجل لا يرد ولا يناقش.. فلماذا حملات الإذلال والتحقير وسحق الكرامة التى هى حق لكل البشر على السواء سواء كانوا من الأغنياء المانحين أو الفقراء المحتاجين.. قال الرسول الأمين (صلى الله عليه وسلم): «ليس المسكين الذى ترده التمرة أو التمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين المتعفف، اقرءوا إن شئتم لا يسألون الناس إلحافا»..
ويقول عليه الصلاة والسلام: «ما الذى أعطى من سعة بأفضل أجرا من الذى يقبل من حاجة» أبعد هذا كله يحدث ما يحدث الآن فى هذه الحرب الإعلانية الشرسة بين مؤسسات وجمعيات الخير التى تتصارع بقسوة من أجل الاستحواذ على تبرعات الميسورين وكأن الفقراء والمرضى وسائر المحتاجين هم الحطب الذى يتم إشعال النار فيه.. لا رحمة.. ولا رأفة ولا حتى أمانة فى العرض.. بل مهانة وإذلال وتحقير بالوصف الردىء لحال المحتاجين والصورة البشعة لواقعهم المر الأليم والتى تتسم بالمبالغة الشديدة من أجل الفوز بالنصيب الأكبر من الغنيمة..
فإذا كانت هذه الجمعيات قد منحت نفسها وكالة جمع التبرعات.. فمن الذى منحها وكالة ذبح الفقراء والمساكين بهذه الصور البائسة المهينة والمذلة بالمخالفة الصريحة لمبادئ الدين الإسلامى الثابتة فى القرآن الكريم والسنة المطهرة لا فتاوى بعض المشايخ (سامحهم الله) الذين يعملون فى خدمة هذه المؤسسات.. إذا كان الفقراء أنفسهم لا يسألون الناس إلحافا.. فلماذا هذه المؤسسات والجمعيات تسأل الناس إلحافا؟.. لماذا هذه المتاجرة الرخيصة والمذمومة بأحوال الفقراء وظروف معيشتهم وهى وإن كانت حقيقية فى كثير من الأحيان فالإسلام يدعونا إلى المساعدة ومد يد العون فى ستر وسرية دون فضح الفقير والتشهير به واستغلاله بهذه البشاعة المفرطة، عملية ابتزاز لمشاعر الناس بسلاح الإعلان..
والأمر الغريب حقا هو أن فضيلة مفتى الديار المصرية الشيخ الجليل على جمعة يشارك فى حملة من هذا النوع الذى يستجدى بالإلحاح الإعلانى وكان يضع صوته على إعلان فج يصور مجموعة من الفقراء الجياع وهم يخرجون من تحت الأنقاض وهم أقرب إلى الموت منهم إلى الحياة.. ونحن لا نرضى لفضيلة المفتى بهذا لأنه بحكم مكانته الدينية والوظيفية عندما يروج لجمعية أو مؤسسة بعينها فإنه يميزها عن غيرها لدى أهل الخير فيكون لها النصيب الأكبر على حساب الآخرين من كل المحتاجين إلى المساعدة أو الصدقة سواء كانوا أفرادا أو جمعيات.. والأمر الثانى كيف يقبل بهذه الصورة التى يظهر عليها الفقير وهو يعلم أنها على غير الحقيقة تماما وفيها مبالغة.. وفى نهاية الإعلان هذا دعوة صريحة لاحتكار الصدقة حيث يقول صاحب الصوت الذى حل محل صوت فضيلة المفتى «لسه بتفكر تتبرع لمين..؟» وهى تعنى تعالى عندنا.. هات لنا وبلاش حد تانى..!! أما سمكة القرش المتوحشة فى هذه المؤسسات الخيرية والتى تزعم أنها تكفل قرى بكاملها وتوزع الأكشاك والجواميس وتكفل اليتامى وتعين المرضى وأيضا تزوج الفتيات اليتامى.. من ثلاث سنوات وهى بثت إعلانا يقطع القلوب عن أهالى الصعيد وقد ضربتهم المجاعة ويأتينا صوت السيد طارق نور قائلا «الناس دول ماكنوش لاقيين العشا ودلوقت مش لاقيين الغدا كمان».. وأعجب لهذا الصوت الذى يبكى الناس على فقراء الصعيد الجياع واليتامى والعرايا والمرضى وكل بلاوى الدنيا فيهم وفى الإعلان التالى مباشرة نسمع نفس الصوت وهو ينفجر طربا ومرحا وهو يعلن السيارات والفيللات والغسالات وأنواع الطعام الفاخر.. وتزعم سمكة القرش هذه أنها زوجت عشرة آلاف يتيمة وأظهرت صورهن فى ملابس الزفاف الجميلة وكأن الأفراح كانت فى فنادق الخمس نجوم.. والمبالغة المفرطة تحيل الأمر بكامله إلى عالم الكذب والخداع والرياء.. ونحن نحكم بالظن لا باليقين ولدينا ما يدفعنا إلى ذلك فلسنا جهة تحقيق أو مساءلة.. ولكن المسائل مريبة جدا.. العشرة آلاف عروس «ما زادوش عروسة أو اثنين.. خلاص ثبتوا على كده».. ولو كانت هذه الجمعية التى توزع الجواميس العشر وتبنى البيوت وتنشئ المرافق تفعل ذلك فعلا فإنها أولى بأن تكون الحكومة.. ولكنها تتبع سياسة الحكومة تماما.. إنجازات الحكومة وهمية.. وإنجازات هذه الجمعية إعلانية.. وهنا وقبل أن أنسى لابد من الإشادة وتقدير دور الجمعيات التى تتقى الله فيما تفعل وتحفظ للفقير كرامته وإنسانيته ولا تبدد أموال الصدقات وتهدرها فى الإعلانات وهى للأسف الشديد مبالغ طائلة وأرقام مفزعة لمن لا يعلم أو يدرى.
أما المستشفى الديناصور والذى يبث إعلاناته الكثيفة والمتلاحقة والمتنوعة على كل قنوات العالم العربى فى إلحاح لم أر له مثيلا.. ويستقطب النجوم فى كافة المجالات.. رياضة.. تمثيل.. طب.. مشايخ.. رجال أعمال.. رجال سياسة.. كل هؤلاء يستخدمهم فى إعلاناته التى تذبح الأبرياء من المرضى.. أطفال يتم استغلالهم وهم على أسرة المرض فى الاستجداء وليس هناك أبشع ولا أفظع من الداعية الإسلامى صاحب الجلباب الأبيض واللحية السوداء الكثيفة والمصبوغة والطرحة البيضاء على رأسه وهو يقف إلى جوار طفل مريض ويقول الداعية خشن المشاعر وكأنه لم يتعلم رقة القول من أدب الإسلام.. يقول «لقد دخلت عاهرة الجنة فى كلب» ويشير إلى الطفل المريض الراقد فى فراشه بلا حول ولا قوة ويكمل قائلا «فما بالكم بمن ينقذ هذا».. أى قسوة هذه..؟ إن موت الطفل أرحم له مما سمع.. ولما كنا أمام مستشفى وليس مصنع عطور فالعبرة بحال المرضى قبل حال المستشفى وخاصة أن هناك من يقول بأن هذه المستشفى لا تقبل إلا الحالات المضمون شفاؤها وتترك الحالات الأخرى وهذا يتنافى مع كل المبادئ الإسلامية والقيم الإنسانية، فإذا كانت عصابات المتسولين فى الشوارع تستخدم المرض وأصحاب العاهات فى جريمة الشحاذة فإن هذا المستشفى يرتكب نفس الفعل مجبرا مرضاه ومستغلا لهم بهذه البشاعة وللأسف هم من البراعم الصغيرة البريئة.... واسألوا رجال الدين فى هذا الشأن..
واسألوا رجال الطب النفسى.. واسألوا أيضا منظمات حقوق الإنسان..؟ لقد أصبح الأطفال فى هذا المستشفى وقودا للآلة الإعلامية الصاخبة التى تعمل بكل طاقتها الجهنمية للاستحواذ على أموال الصدقات والتبرعات وحتى أموال الزكاة.
وإلى حضرات السادة القراء أصحاب العقول الراجحة البيان التالى والذى يوضح حجم الإنفاق على البث الإعلانى فقط دون حساب تكلفة الإعلان نفسه وذلك خلال أيام الشهر الفضيل..
1ــ مستشفى (57357) مبلغ 10.871.190
2ــ دار الأورمان مبلغ 5.646.341
3ــ المؤسسة المصرية للزكاة مبلغ 5.497.187
4ــ رسالة مبلغ 4.704.000
5ــ بنك الطعام مبلغ 3.096.000
6ــ مصر الخير مبلغ 2.697.749
7ــ مؤسسة منصور مبلغ 2.311.790
8ــ بنك مصر مبلغ 460.000
المجموع 35.284.230
خمسة وثلاثون مليونا أظهرت ضراوة الصراع والقتال بين هذه المؤسسات للاستحواذ على مال الله.. فإذا كانت وزارة المالية قد أنفقت من أموال الضرائب ثمانية عشر مليونا على حملة «الضرائب مصلحتك أولا» فهذا مال شعب مغيب تقوده حكومة شاحبة سائبة.. أما أن ينفق المستشفى المذكور ما يقرب من الأحد عشر مليونا على الإعلان.. فهذا مال الله وحق المرض.. ومن حقنا أن نسأل إذا كان هذا هو حجم الإنفاق فكم تكون حصيلة الصدقات والتبرعات؟! وأنا أعلم أنه يجوز الإنفاق على الإعلان من أجل دعوة الناس لفعل الخير ولكن ليس بمثل هذا السفه وهذا التبذير فالمريض والفقير أحق بهذا المال.. ونفس الشىء بالنسبة لسائر هذه الجمعيات..
فإذا علمنا أن هذه المؤسسات والجمعيات هى لرجال أعمال كبار وثراؤهم فاحش ولو دفع الواحد منهم زكاة أموال لكانت كافية وحدها لسد حاجة كل محتاج وكل مريض.. فلماذا لا يتركون مال الله لأهل الله.. وفضيلة مفتى الديار يعلم علم اليقين أن فعل الخير ليس القصد منه إعانة الفقير فقط وإنما زرع المحبة والتواصل والتآخى والتراحم بين الناس.. الأمر الذى يربط الناس بعضهم ببعض.. وبالتالى تكون دعوة المفتى ونداءاته المتكررة بالتبرع لجهات معينة مسألة غير مستحبة على الإطلاق.. ثم لماذا تزج بنفسك يا فضيلة المفتى فى حرب لا ناقة لك فيها ولا جمل؟ أفهم أن تدعو الناس لفعل الخير ولكن لسائر المسلمين فأنت أمامهم الآن.. وأسألك يا من تملك حق الفتوى الشرعية، أسألك الفتوى فى المسائل الآتية:
1ــ هل يجوز الإنفاق بهذا البذخ ومن أموال الله على الإعلانات..؟
2ــ هل يجوز إذلال الفقراء والمساكين والمرضى ونشر صورهم بغرض الاستجداء؟!.. كما هو الحال الآن..
3ــ هل تجوز الصدقة لفقير أعانه الله وأخرجه من فقره؟!.. ومن هم أصحاب الحق فى الصدقة والزكاة؟
4ــ ما حكم الدين فى فائض الأموال التى تتراكم لدى مؤسسات الخير وكيفية الاستفادة منها لخدمة المحتاجين..؟
وأخيرا وليس آخرا...
أنا أعلم أن هذا البزنس يقف وراءه رجال أعمال.. ومشايخ ودعاة.. ورجال إعلام وإعلان.. وبشر صالحون وأيضا فاسدون.. وعليه فإن هذا المقال ما هو إلا دعوة للبحث ومعرفة حقيقة الأمور.. فالفقراء والمرضى والمساكين هم منا ونحن منهم والمال مال الله يجب أن يذهب لمن يستحقه فعلا من عباد الله.. وأستغفر الله لى ولكم.