اختيار الصديق
لابن المقفـّع
التعريف بالكاتب :
وُلِدَ عبد الله بن المقفَّع سنة 106 هـ في البصرة وتُوُفى حرقًا سنة 142 هـ - وهو من أصل فارسي وكان اسمه رُوزْبة فلما أسلم سُمِّى عبد الله ولُقِّب أبوه بالمُقفَّع ؛ لأن الحجَّاج الثقفي عاقبه على بعض مخالفاته فضربه على يديه حتى تقفَّعتا أي تورَّمَتا وقد نشأ ابن المقفَّع في ظل بني الأهْتم وكانوا مشهورين بالفصاحة والبلاغة فتأثر بهم - واشتهر بالذكاء والكرم وحُسن الأخلاق وحب الأصدقاء .
- وقد اتهمه حساده بالزندقة (الكفر) ، وهي تهمة مشكوك فيها .
- وآثاره الأدبية كثيرة منها : كتب (كليلة ودمنة) الذي عرّبه من الفارسية و(الأدب الكبير) و(الأدب الصغير) ومعظمهما يدور حول الدروس الأخلاقية والاجتماعية التي تُرغِّب في العلم وحسن المعاملة وصلاح الملوك والولاة.
- يُروَى أنه قيل لابن المقفع من أدبك فقال : نفسي إذا رأيت من غيري حسناً أتيته وإن رأيت قبيحاً أبيته ..
معلومة : الزِّنْدِيق تطلق على من يُنكر الدين أو من يُظهر الإيمان ويُخفي الكفر ويُضمره .. والزنديق يؤمن بأزلية العالم و لا يؤمن بوجود الآخرة ووحدانية الخالق , وهي كلمة فارسية معربة مأخوذة من كلمة " زَنْدِ كِرَايْ " التي تعني "دوام بقاء الدهر" .
جو النص :
الصداقة نغمة جميلة تتردد في حياة الإنسان ، فلولا وجود الصديق لمات الإنسان من الضيق ، و الفقير الحقيقي في هذه الدنيا من لا صديق له .. وابن المقفع في هذا النص يعرض - لنا - آراءه في اختيار الصديق وصفاته ليستحق هذا الاسم المأخوذ من الصدق والنص من كتابه : (الأدب الكبير) .
النص : (حقوق الصداقة)
(اجعلْ غايَةَ تشبُّثِك في مؤاخاةِ مَنْ تُؤاخِي ، ومُواصلةِ من تُواصِلُ ، توطينَ نفسِك على أنه لا سبيلَ إلى قطيعةِ أخيكَ - وإن ظهَرَ لكَ منِه ما تكْرهُ ، فإنه ليسَ كالمملوكِ تُعْتِقُه متى شِئت ، أو كالمرأةِ التي تطلقُها إذا شئتَ ، ولكنَّه عِرْضُك ومروءتُك ، فإنَّما مروءةُ الرجلِ إخوانُه وأخدانُه ، فإنْ عثَرَ الناسُ على أنَّكَ قطعْتَ رَجلاً من إخوانِك وإنْ كنْتَ مُعذراً نزَل ذلك عند أكثرِهم بمنزلةِ الخيانةِ للإخاء والملالِ فيه ، وإنْ أنت مع ذلك تصبَّرت على مقارَّتِه على غيرِ الرضا عادَ ذلك إلى العيبِ والنقيْصةِ).
اللغويات :
- غايَةَ : غرض ، هدف ج غاي ، غايات
- تشبُّثك : تمسُّكك × تفريطك
- تُؤاخي : تتخذه أخاً وصاحباً × تعادي
- توْطِين نفْسِك : حمْلكَ لها وتعويدها
- سَبيل : طريق ج سبل ، أسبلة
- قطِيعة : ترْك وهجْران × صلة
- المَمْلوك : العبد ج المماليك
- عِرْضك : شرفك
- مروءتك : إنسانيتك ، ويقصد بها محاسن الأخلاق
- أخْدانه : أصحابه م خِدن
- مُعْذَراً : لكَ عذر ، محقاً × مَلوم
- الملال : الضجر و الضيق × الشوق
- مقارته : أي البقاء معه
- على غير الرضا : أي مضطراً مكرهاً
- النقيصة : الخصلة الدنيئة ج النقائص .
الشرح :
س1 : وضح من خلال هذه الفقرة حق الصديق على صديقه .
جـ : ما تشير إليه الفقرة من حق الصديق على صديقه هو أن يجعل الإنسان هدفه الدائم الذي يتمسك به في اختيار من يستحق لقب الصديق إعداد نفسه و تهيئتها لمؤاخاته ومصاحبته ، واستمرار مواصلته ، فلا يحاول مقاطعته حتى وإن ظهر له منه ما يكره من تصرفاته .
س2 : كيف تختلف علاقة الصديق عن علاقة الخادم أو الزوجة كما أوضح الكاتب ؟
جـ : الصداقة علاقة قوية ولكن الصديق ليس كالعبد تعتقه و تحرره متى شئت ، أو زوجة تطلقها حين تشاء وترغب ، فالصداقة علاقة أقوى كما يرى الكاتب .
س3 : يرى الكاتب أن علاقة الصديقين أقوى من علاقة الرجل بزوجته... فهل توافقه فيما ذهب إليه؟ ولماذا؟
جـ : لا أوافقه ؛ لأن العلاقة بين الزوجين أقوى من علاقة الصديقين ؛ لأنها تجمع بينهما بالرباط المقدس والصداقة المتينة ويترتب عليها عمارة الكون .
س4: اعرض رأي الكاتب في مقاطعة الصديق .
جـ : يرى الكاتب أنه لا تجوز مقاطعة الصديق مهما كانت الأسباب ؛ لأن الصداقة جزء من شرف الإنسان ، و الناس يعتبرون مقاطعة الصديق نقصاً وخيانة . وإن كان في الصديق الذي يصاحبه عيب وتحمله على كُره منه كان ذلك دليلاً على أنه أساء الاختيار .. فالواضح من رأى الكاتب أنه يجب التدقيق والحذر الشديد في اختيار الصديق قبل مصاحبته.
التذوق :
* (اجعلْ): أسلوب إنشائي / أمر غرضه : النصح والإرشاد .
* (اجعل تشبثك في إخاء مَنْ تُؤاخي) : استعارة مكنية ، حيث صور المؤاخاة والصداقة بحبل نتشبث به وحذف المشبه به ، ودل عليه بشيء من لوازمه وهو التشبث وسر جمالها التجسيم وتوحي بالحرص على الصداقة وأثرها في النفوس .
* (توطين نفسك): استعارة مكنية ، صور النفس بإنسان يُحمل على الإقناع .
* (مُواصلة - وقطِيعة) : محسن بديعي / طباق يوضح المعنى بالتضاد .
* (مؤاخاةِ مَنْ تُؤاخِي - ومُواصلةِ من تُواصِلُ) : محسن بديعي / ازدواج يعطي نغمة موسيقية محببة إلى الأذن .
* (وإن ظهر لك منه ما تكره) : إطناب بالاعتراض ، وفيه حث على عدم مقاطعة الصديق ، حتى وإن أساء إلى صديقه ، فلابد من التجاوز عن زلات الأصدقاء .
* (فإنه ليس كالمملوك تعتقه - أو كالمرأةِ تُطلقُها) : أسلوب مؤكد بإن ، وفيه تشبيهان منفيان فقد نفى أن يكون الصديق كالمملوك أو كالمرأة في إمكان قطع العلاقة بالعتق أو الطلاق ..
نقد : التشبيهان السابقان معيبان ؛ لأن علاقة الزوجين أقوى من علاقة الصديقين فهي ليست علاقة مؤقتة ؛ لأنها علاقة تقوم على الثبات والاستمرار ، ولقد قدّسها الله و رفع من شأنها .. قال تعالى : (وأخذْنَ منكم مِيثَاقًا غليظًا) وقال تعالى : (وجَعَلَ بينكُم مودةً ورحمةً) .
* (ولكنه عرضُك ومروءتُكَ) : تشبيهان للصَّديق بالعرض والمروءة يوضح قيمة الصديق الغالية وضرورة التمسُّك به ، والعطف بينهما للتنويع .
س1: " فإنما مروءةُ الرَّجُلِ إخوانه وأخدانه ". ما علاقة هذه الجملة بما قبلها ؟ وماذا فيها من جمال ؟
جـ : العلاقة : تعليل لما قبلها . وهي أسلوب قصر للتوكيد والتخصيص ، وفيها جناس ناقص بين (إخوانه - أخدانه) يحرك الذهن ويُعطى جرساً موسيقياً .
* (فإن عَثرَ الناسُ على أنك قطعتَ رجلا) : تصوير يُجسِّم القطيعة كأنها شيء يُعْثَر عليه . وأداة الشرط (إنْ) تدل على الشك في أن يكون هناك قطيعة تحدث بين الأصدقاء .
* (وإنْ كنْتَ مُعذراً) : إطناب بالاعتراض للاحتراس ، ولقطع أي طريق لمقاطعة الصديق .
* (نزل ذلك عندَ أكثرِهم بمنزلِة الخيانةِ) : تشبيه للقطيعة بالخيانة وسر جماله التوضيح ، ويوحي بكره القطيعة بين الأصدقاء .
* (تصبَّرت على مقارَّتهِ) : تعبير يدل على الجهد المبذول والمشقة في تحمل هذا الصديق .
* (النقيصةِ - العيب) : عطف (النقيصة) على (العيب) للتوكيد .
النص : (شروط اختيار الصديق)
(فالاتئادَ الاتئادَ! والتثبُّتَ التثَبتَ !
وَإذا نظرتَ في حالِ من ترتئيِه لإخائِكَ فإنْ كانَ من إخوانِ الدينِ فليكنْ فقيهًا غيْرَ مُراءٍ ولا حَريصٍ ، وإن كانَ من إخوانِ الدنيا فليكنْ حُرّاً ليسَ بجاهلٍ ولا كَّذابٍ ولا شريرٍ ولا مشنُوعٍ) .
اللغويات :
الاتِّئاد : التأنِّي والتمهُّل × التسرع
- التثبُّت : التحقُّق من الأمر × التشكك
- مِراءٍ : منافق
- حرِيص : بخيل × جوّاد ج حرصاء ، حراص
- ترْتئِيه : تراه وتختاره
- مشْنوع : مشهور بالفساد ، مفضوح × مستور .
الشرح :
س1 : ما الشروط الواجب توافرها فيمن يختاره المرء صديقاً له؟
جـ : الشروط الواجب توافرها فيمن يختاره صديقا له:
1 - إن كان من أهل الدين فليكن غير منافق ، يظهر غير ما يبطن ، وغير حريص يميل إلى البخل.
2 - إذا كان من أهل الدنيا فليكن حراً غير جاهل أو كذاب أو مشتهر بين الناس بنقيصة أو شريراً فإن كل هذه عيوب لا تصلح معها صداقة .
س2 : ما الصفات التي يجب ألا تكون في الصديق ؟ ولماذا ؟
جـ : النفاق والكذب والبخل والفساد وحب الشر ؛ لأن هذه الصفات تُعدي .
التذوق :
س1 : ما نوع الأسلوب في (الاتئادَ الاتئادَ) ، و في (التثبت التثبت) ؟
جـ : أسلوب إغراء بمعنى (الزم الاتئادَ) والكلمة الثانية توكيد لفظي للأولى - وفيه إيجاز بالحذف (حذف الفعل الزم) ، وكذلك (التثبُّت التثبُّت) .
* (وإذا نظرت في حال ترتئيه) : استعارة مكنية ، فيها تصوير لحال الصديق بشيء مادي يُرى و يشاهد ، وسر جمالها التجسيم .
س2 : ما الجمال في الجمع بين : (الدين والدنيا) ، (فقيهاً وجاهل) ؟
جـ : محسن بديعي / طباق يبرز المعنى و يوضحه بالتضاد .
س3 : ما وسيلة التوكيد في (ليس بجاهل)؟ و بم تحكم على الألفاظ في هذه الفقرة ؟
جـ : التوكيد بحرف الجر الزائد وهو الباء .
- الألفاظ في هذه الفقرة واضحة إلا أن الكاتب استعمل كلمة غريبة علينا وهي (مشنوع) ولكن يجوز أنها كانت مستخدمة في عصره .
س4 : ما نوع الأسلوب في فليكن ؟ وما غرضه ؟
جـ : أسلوب إنشائي / أمر غرضه : النصح والإرشاد .
* (مُراءٍ - حَريصٍ - بجاهلٍ - كَّذابٍ - شريرٍ - مشنُوعٍ) : نكرات للتنفير من هذه الصفات السيئة .