صور من معاناة المعلمين...
لم يترك شوقي رحمه الله باباً إلا وطرقه في ضرورة احترام المعلم وتبجيله والوفاء له والثناء عليه، ولم يترك ميداناً من ميادين التعلم الذي يجول المعلم فيه ويصول إلا وطاف به في قصيدته الشهيرة: "قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا" وهي قصيدة نالت على مدى سنين طوال ما تستحقه من اهتمام وتقدير واعتراف بما يستحق المعلم أمام الرسالة الجليلة التي يقوم عليها والمسؤولية النبيلة التي يضطلع بها.
ثم جاء من بعده إبراهيم طوقان وعارض القصيدة بقصيدة فيها الكثير من السخريات التي يتعرض لها المعلم والمعاناة التي يجابهها في مزاولة عمله معلماً، ولعل في انطلاق أمير الشعراء من البعد التجريدي للموضوع ما جعل القصيدة حافلة بالأخلاقيات والمبادئ العامة بخلاف قصيدة طوقان التي جاءت نابعة من ميدان العمل والممارسة الفعلية فحركت في النفوس صور المعاناة والمشكلات التي يتعرض لها القائمون على تعليم الناس وفي ذلك ما يعطي الأمر ما يستحقه من شمول.
ولربما حاول أحد معلمي اليوم ممن يعيشون الواقع التعليمي التعبير عما يعانيه المعلمون فيضيف بذلك إلى ما بدأه شوقي وعارضه فيه طوقان لعل الصورة تبدو أكثر وضوحاً واتساقاً مع عالم الواقع الذي يتغير بتغير ظروف الزمان والمكان والأحداث ووسائل الحياة، ثم حتى تفتح آفاقاً للنقاش والحوار في شأن من شؤون تمس أهم من يقومون على فلذات الأكباد وأسس بناء المستقبل الذين تنتظرهم كل أمة على وجه الأرض حتى يواصلوا مسيرة البناء.
من متابعة ما تنشره الصحافة يكاد المرء يرى ما يعانيه المعلمون من أمور هم في أمس الحاجة إلى تسليط الضوء عليها والبحث عن حلول لها قبل أن تستفحل ويصعب علاجها، بل ربما دفعت إلى مشكلات أشد خطورة وأكبر ضرراً أمام ردود الفعل التي لا يملك أحد أن يتنبأ بها أو يتحكم فيها، وقد يكون من المناسب أن تبدأ العملية بدراسة تقوم بها جهة من جهات الاختصاص في الجامعات أو مراكز البحوث أو الوزارة لمعرفة حجم المشكلة وما تحتاج إليه وما يمكن أن تؤول إليه لو تركت على ما هي عليه.
هناك الكثير من حالات الاعتداء على المعلمين والمعلمات وربما اشترك في الاعتداء مجموعة من الطلاب إما على المعلم أو على سيارته، بل قد يقع الاعتداء على المعلم من ولي أمر الطالب وقد يشارك في الضرب الطالب الذي يكون أحياناً في المرحلة الابتدائية، وقد تهاجم ولية أمر الطالبة المعلمة، ويقع الاعتداء إما في المدرسة أو على أبواب المدرسة مما يفقد المعلم وبقية المعلمين بل والمدرسة والتعليم كل قيمة وكل هيبة، ويغدو الأمر أشبه ما يكون بنشاط العصابات الهمجية في تصفية حسابات لأمور يكتنفها الكثير من الغموض والريبة.
وهناك بالمقابل عقوبات قضائية على معلمين فيها الكثير من القسوة ومن تجاهل ما يتعرض له المعلم من ضغوط ومن قلق أمام مجتمع يتغير بشكل متسارع، وأمام مستجدات في الحياة تغير كثيراً من وتيرة التفاعلات بين الناس في مختلف مواقع أعمالهم، مما يستدعي استحضار هذه الأمور جميعها، بل ربما صدر الحكم بجلد المعلم في مضاعفات لم يثبت أن له يداً فيها، وإنما كان الأمر توبيخاً في الحد الأدنى لم يتجاوز حدود التأديب، وفي جميع الأحوال يحتاج الأمر إلى المزيد من التقصي عن أسلوب التأديب المناسب، حتى لا تتحول المدارس إلى مواقع لا يجرؤ فيها القائمون عليها على عمل شيء أمام خوف المساءلة.