روى الإمام محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين
المجلد الثاني كتاب تواريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، ذكر النبي الكليم موسى بن عمران، وأخيه هارون بن عمران
أخبرنا الحسن بن محمد الأسفراييني، حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، حدثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان اليماني، عن أبيه، عن وهب بن منبه قال:
ذكر: مولد موسى بن عمران بن قاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
وحديث عدو الله فرعون حين كان يستعبد بني إسرائيل في أعماله بمصر.
وأمر موسى والخضر.
قال وهب: ولما حملت أم موسى بموسى كتمت أمرها جميع الناس، فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله، وذلك شيء أسرَّها الله به لما أراد أن يمنَّ به على بني إسرائيل.
فلما كانت السنة التي يولد فيها موسى بن عمران بعث فرعون القوابل، وتقدم إليهن، وفتش النساء تفتيشا لم يفتشهن قبل ذلك.
وحملت أم موسى بموسى، فلم ينت بطنها، ولم يتغير لونها، ولم يفسد لبنها، ولكنَّ القوابل لا تعرض لها.
فلما كانت الليلة التي ولد فيها موسى ولدته أمه ولا رقيب عليها، ولا قابل.
ولم يطلع عليها أحد إلا أختها مريم.
وأوحى الله إليها أن أرضعيه، فإذا خفت عليه فألقيه في اليم، ولا تخافي ولا تحزني، إنَّا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين.
قال: فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها لا يبكي، ولا يتحرك.
فلما خافت عليه وعليها، عملت له تابوتا مطبقا، ومهدت له فيه، ثم ألقته في البحر ليلا كما أمرها الله.
وعمل التابوت على عمل سفن البحر، خمسة أشبار في خمسة أشبار ولم يقير.
فأقبل التابوت يطفو على الماء، فألقى البحر التابوت بالساحل في جوف الليل.
فلما أصبح فرعون جلس في مجلسه على شاطئ النيل، فبصر بالتابوت.
فقال لمن حوله من خدمه: إيتوني بهذا التابوت.
فأتوه به، فلما وضع بين يديه فتحوه فوجد فيه موسى.
قال: فلما نظر إليه فرعون قال: غير أني من الأعداء، فأعظمه ذلك وغاظه.
وقال: كيف أخطأ هذا الغلام الذبح، وقد أمرت القوابل أن لا يكتمن مولوداً يولد؟
قال: وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها: آسية بنت مزاحم.
وكانت من خيار النساء المعدودات، ومن بنات الأنبياء، وكانت أما للمسلمين ترحمهم، وتتصدق عليهم وتعطيهم، ويدخلون عليها.
فقالت لفرعون، وهي قاعدة إلى جنبه: هذا الوليد أكبر من ابن سنة، وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة، فدعه يكون قرة عين لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا.
وهم لا يشعرون أنَّ هلاكهم على يديه.
وكان فرعون لا يولد له إلا البنات.
قال وهب:
قال ابن عباس: لو أن عدوَّ الله قال في موسى كما قالت امرأته عسى أن ينفعنا، لنفعه الله به، ولكنه أبى، للشقاء التي كتب الله عليه.
وحرمَّ الله على موسى المراضع ثمانية أيام ولياليهن، كلما أتي بمرضعة لم يقبل ثديها.
فَرَقَّ له فرعون ورحمه، وطلبت له المراضع.
وذكر وهب حزن أم موسى وبكاءها عليه، حتى كادت أن تبدي به، ثم تداركها الله برحمته، فربط على قلبها إلى أن بلغها خبره.
فقالت لأخته: تنكري واذهبي مع الناس، وانظري ماذا يفعلون به؟
فدخلت أخته مع القوابل على آسية بنت مزاحم، فلما رأت وجدهم بموسى، وحبهم له، ورقتهم عليه.
قالت: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون؟
إلى أن ردَّ إلى أمه، فمكث موسى عند أمه حتى فطمته، ثم رددته إليه.
فنشأ موسى في حجر فرعون وامرأته، يربيانه بأيديهما، واتخذاه ولدا.
فبينا هو يلعب بين يدي فرعون وبيده قضيب له خفيف صغير يلعب به إذ رفع القضيب فضرب به رأس فرعون، ونظر من ضربه حتى همَّ بقتله.
فقالت آسية بنت مزاحم: أيها الملك لا تغضب ولا يشقنَّ عليك، فإنه صبيٌّ صغير لا يعقل.
جرِّبه إن شئت، اجعل في هذا الطشت جمرة وذهبا، فانظر على أيهما يقبض؟
فأمر فرعون بذلك، فلما مدَّ موسى يده ليقبض على الذهب قبض الملك الموكَّل به على يده فردها إلى الجمرة فقبض عليها موسى، فألقاها في فيه، ثم قذفها حين وجد حرارتها.
فقالت آسية لفرعون: ألم أقل لك إنه لا يعقل شيئاً، ولا يعلمه.
وكف عنه فرعون وصدقها، وكان أمر بقتله.
ويقال: إنَّ العقدة التي كانت في لسان موسى أثر تلك الجمرة التي التقمها.
قال وهب بن منبه: ولما بلغ موسى أشدَّه، وبلغ أربعين سنة، آتاه الله علما وحكما وفهما، فلبث بذلك اثنتي عشر سنة داعيا إلى دين إبراهيم وشرائعه، وإلى دين إسحاق ويعقوب.
فآمنت طائفة من بني إسرائيل.