حبة الفاصوليا

منذ أسبوعين على وجه التقريب حانت التفاتة من فصل الصيف القادم من بعيد وحينما يدنو الصيف تراني تلقائيا بلا ارادة مني وفرت وقتا لأغفو في القيلولة كما اعتدت أن افعل حينما كنت في أسوان ولم تفارقني عادتي حتى بعد أن سكنت القاهرة من إحدى عشرة عاما مضت





استلقيت في صالة شقتى الرحبة اتنسم هواء المروحة المتدلية في انتعاش غريب وجلست بجواري زوجتى بحكاويها القادمة من عمق الذكريات والمعجونة بطعم الحب القديم الذي نما بين قلبينا مذ كانت طفلة بريئة ويداعب لحيتى ابنها الشقي الذي أصبح كائنا مرعبا يحتل بيتنا الهادئ أقصد الذي كان هادئا والذي حوله هذا الديناصور إلى ساحة تترامى على جوانبها ضحاياه المكسرة في كل الانحاء





كانت زوجتى الطيبة تنقى الفاصوليا وهي جالسة بجواري وأنا مستمتع بنسمات الهواء الرقيقة وتستعد عيناي للنعاس وكان الديناصور الصغير يأخذ مخلفات الفاصوليا ويلقيها مبتهجا في كل جانب

حتى حدث مالم يكن بالحسبان





وما إن غالبني النعاس حتى وضع الشقي حبة صغيرة من حبات الفاصوليا في أذنيووضعت أصبعي أحاول إخراجها إلا وشعرت بها تتدحرج هاوية إلى القاع .. لا أدري ماذا حدث بعد ذلك .. كل الذي أذكره أن أم يوسف حاولت أن تهدأ من روعي بعد ان استيقظت كل حواسي في توتر ظاهر .. وانزوى الشقي بعيدا بعد أن شعر بجرمه الشنيع وفعلته الآثمة .. أجلس وأقوم .. اختل توازني وشعرت بثقل فظيع في اذني وجاءت ام يوسف تحاول ان تضع في اذني بعض قطرات زيت الزيتون حتى تخرج الحبة الصغيرة ولكن دون جدوى واذداد الأمر سوءا و شعرت بدوار رهيب ودار بخلدي تلك اللحظات القديمة من الألم الذي كان يداهمني حينما كنت صغيرا وتدخل المياه لأذني عند السباحة





المهم أنني نزلت مهرولا والشمس مازالت بكبد السماء ترسل أشعتها العمودية واستقليت السيارة لا أعرف لى وجهة وتذكرت أن الأطباء يعملون مساءا وانطلقت إلى المستشفى ودخلت الاستقبال ولا أعرف ماذا أقول والجو مكهرب والمستشفى تستقبل ضحايا حادثة على طريق مصر الاسماعيلية .. هل سيكون ألمي أعظم من آلام هؤلاء أو السؤال هل سيهتم أي أحد بألمي مقارنة بهذه الآلام





المهم انني وصلت للطبيب الذي سألني سؤاله الروتيني

_ ماذا أصابك ؟ ( بطريقة معتادة )

_ حبة فاصوليا دخلت في أذني ( بمواربة )

_ لا أرى شيئا ( ببلاهة وهو يتفحص أذني )

_ بأقول لحضرتك دخلت جوة كيف ستراها ؟! ( بعصبية )

_ إهدأ من فضلك يا أستاذ ( بخجل )

عموما اخصائي الأذن سيصل في السادسة يمكنك انتظاره

_ وهل سأنتظر إلى السادسة ( بيأس )







خرجت تحاصرني الآلام ولا أستطيع الجلوس انتظارا .. المهم اقنعت نفسي انني اقل هؤلاء الناس الما .. جلست بين زحام الام الناس التي تنتظر من يداويها وأنا في أشد حالات الكرب.. استقبلت مكالمة هاتفية بأذني السليمة من زوجتى تطمئن علي وتعاتبني على اصراري على رفضي السماح لها بالنزول معي وبينما أحدثها حتى حدث مالم يتوقعه أحد





كل ما كان يجول بخاطري لحظتها أن أتخلص من هذا الكابوس بأي طريقة .. جلست على مقاعد الانتظار وانا أحوقل كل لحظة واستغفر عسى أن يخفف عني ربي ما لحق بي .. سيارات الاسعاف تصرخ مولولة كل لحظة آتية بضحية جديدة والمستشفي تتسارع خطا أطباؤها لتلحق بالنفس الاخير وأنا نسيت المي قليلا وقعت أفكر في آلام الناس ..





الألم يقترب من دماغي فيصنع صداعا سيفلق رأسي نصفين .. تزوغ نظراتي ولا تثبت على حال .. بجواري شاب يأن وقد كسرت قدمه .. وعجوز انخلع كتفها .. وصغير يعجز عن التقاط أنفاسه تتابعه نظرات أمه القلقة وتضمه نحوها في يأس .. أسندت برأسي على الحائط الرخامي و تتزايد الامي من طول الانتظار وصرت اسمع صافرات لها دوي رهيب تخرج من أذني .. أسندت رأسي الناحية الاخري عكس اتجاه الأذن املا في خروج حبة الفاصوليا طواعية من أذني دون اجبار من احد .. مرت الساعة الأولى وكأنها دهر ..





دخل طبيب من الباب الرئيسي واشرأبت الاعناق نحوه . ولم يكن سوى أخصائي العظام وحاول والد الشاب الذي كسرت رجله ان يساعدوه على النهوض وحمله على الكرسي المتحرك فما كان مني سوى مساعدتهم ولقد تعلق الشاب برقبتي لما لمح ضعف أبيه عن حمله وبذلت مجهودا أكبر لحمله وحدى وإذا بحبة الفاصوليا تقفز من أذني واقعة على رجل الشاب .. لم انتبه في البداية وكأنه خيل لي أني رأيتها وأرجعت ذلك في لحظة لعمق تفكيري فيها .. دفع الممرض الكرسي بالشاب مندفعا للامام وأنا سمعت الصافرة الأخيرة والشاب يصرح ممسكا بحبة الفاصوليا وهو يقول :





_ ألف شكر يا استاذ



وانا أجري خلفه وأمسك بيده مقبلا إياها قائلا

_ ألف شكر





وكأنني أتيت في تلك الحال ونزلت من بيتي في صهد الظهيرة .. فقط لأحمله على كرسيه المتحرك وآخذ منه حبتي وأعود إلى بيتي وأحكي لزوجتى ما حدث قائلا لها وليوسف

_ ألف شكر

يا أبا يوسف
وأنت ألف شكر على ذلك الدرس الرائع الذى قدمته لنا فى هذى الاقصوصة
وهو أعط دائما تجد الخير دائما
و أن صنائع المعروف تقى مصارع السوء

عيد عبدالستار كتب:

يا أبا يوسف
وأنت ألف شكر على ذلك الدرس الرائع الذى قدمته لنا فى هذى الاقصوصة
وهو أعط دائما تجد الخير دائما
و أن صنائع المعروف تقى مصارع السوء

شكرا يا استاذي
نحن فسيلة في بستانكم

والله يا أبا يوسف قرأت "حبة الفاصوليا مرتين أو ثلاثة "
وأعجبنى جدا إحساس الناس بموهبتك فى قهوة كتكوت
وأنا الآن على استعداد أن أساهم معك بجد فى أن نطبع إبداعاتك فى كتاب
خاص مهما كلفنا ذلك والله أنت فخر لنا جميعا بهذا السيل الهادر من الإبداع
بارك الله فيك ....ما شاء الله

حقا
ان الله مسبب الاسباب
جزاك الله خيرا

ان هذه هي المرة الثانية التي أقرأ فيها حبة الفاصوليا
حقا......بارك الله فيك

اماني ابراهيم كتب:

ان هذه هي المرة الثانية التي أقرأ فيها حبة الفاصوليا
حقا......بارك الله فيك

بارك الله فيكم يا اماني
سرني انها اعجبتكم

http://www.haridy.com/ib/showthread.php?t=110772

المرة الثانية اقرأ حبة الفاصوليا وكل مرة استفيد شئ جديد

مبدع كالعادة
افكار متجددة
رسائل قوية ومباشرة
اسلوب ولا اجمل

أمل الحياة كتب:

المرة الثانية اقرأ حبة الفاصوليا وكل مرة استفيد شئ جديد

شكرا يا امل
سرني ان القصة اعجبتك
و الرسالة وصلت

نفرتيتي كتب:

مبدع كالعادة
افكار متجددة
رسائل قوية ومباشرة
اسلوب ولا اجمل

ربنا يبارك فيك يا نفرتيتي
شاكرين ثناؤكم الجميل