2 كوب مانجو في نهار رمضان!!!

الزمان: رمضان في أحد شهور الصيف الحارقة الساعة الثالثة عصرا..
المكان: ميدان الجيزة..

الزحام يملأ الميدان والعربات تسد الآفاق وتمحو أي أمل في الوصول للبيت للتخلص من لهيب الشمس الحارقة...

الزحام يشتد أكثر فأكثر ويبدأ سائقو العربات في التشاجر مع بعضهم البعض ليصبح الجو العام لميدان الجيزة لا يطاق؛ عربات متكدسة لا تتحرك قيد أنملة من شدة الزحام، صوت الضجيج يعلو بشدة كمزيج من "كلكسات" العربات وشجار السائقين وصوت الباعة الجائلين أما أصوات مواتير العربات فحدث ولا حرج. رائحة عادم السيارات الممتزجة برائحة عرق المترجلين تبعث رائحة -حتما- ستؤدي للاختناق إذا انتظرت في هذا المكان أكثر من ذلك..

أرمق من حولي في أتوبيس الشركة لأجد كل زملائي بالعمل يغطون في نوم عميق وكأنهم في عالم آخر.. لا مفر إذن من النجاة بنفسي من هذا المكان فقد بدأت أحس بالاختناق بالفعل..

أفتح باب الأتوبيس وأنزل وسط دهشة السائق الذي منعته دهشته من الكلام وكأني مقدم على عمل بطولي بنزولي من الأتوبيس في هذا المكان وفي هذا التوقيت!!!

بعد نزولي من الأتوبيس، المنظر العام يبدو كلوحة تجريدية مكونة من مزيج عجيب من العربات والبشر، أحاول أن أشق طريقي في هذه اللوحة مجاهدا أن أصل لمكان ظليل أرى فيه بعض نسمات الهواء تدفع بعض الأوراق الصغيرة على الأرض وكان هذا الأمل هو أن أعبر الميدان للطرف الآخر لأصل لهذا المكان الذي رأيته من بعيد وكأنه سراب..

بالفعل نجحت بعد الكثير من المعافرة وكم كنت سعيدا أن أجد محل عصائر في نفس هذا المكان الظليل.. دخلت وأنا ألهث من شدة العطش وكأني لم أرشف ولا رشفة ماء طوال هذا النهار!! وبكل بساطة طلبت كوب مانجو وأكدت على البائع أن يكون شديد البرودة.. كان رد فعل البائع غريبا نوعا ما!! فقد رمق المصحف الصغير الذي أحمله بيدي وسألني مرة أخرى في تعجب عن طلبي!!

وبعد التأكيد شربت أروع كوب مانجو في حياتي وكأني أتذوق المانجو لأول مرة في حياتي.. ومن شدة حلاوة هذا الكوب طلبت كوبا آخر.. وللمرة الثانية يرمقني البائع بنظرة امتعاض وهو يقدمه لي.. شغلتني قليلا بعض نظرات السائرين في الشارع وهم ينظرون لي بازدراء وأنا أشرب المانجو!! ولكني لم أتوقف كثيرا عند هذا التساؤل فقد كانت حلاوة كوبي المانجو تفوق كل شيء..

بعد المانجو؛ كأني سيارة كانت تحتاج لبنزين، وبالفعل بكل نشاط وحيوية تمكنت أن أصل لمنزلي في وقت قياسي.. وبمجرد دخولي من باب البيت وأنا أضع المفاتيح على الكونسول الموجود بجانب الباب لمحت في النتيجة الموضوعة عليه "14 من رمضان"..
"أخ خ خ النهارده رمضان، ده أنا صايم.."

كنت أسمع الموقف السابق من جدي وسط تهليل من ضحكات الأقارب بعد الإفطار في بيت العيلة.. ومازلت كلما يذكر رمضان أتذكر هذه الحكاية بالرغم من صغر سني وقتها وأتذكر صوت جدي وهو يقول خاتما الحكاية "اديني يا ابني كوب مانجو،، مش عارف الواحد عطشان كده ليه النهارده!!"

مــ نــ قــــ ول