قضايا و اراء
44845 السنة 133-العدد 2009 سبتمبر 17 27 من رمضان 1430 هـ الخميس
تأجيل الدراسة والخطر المحتمل والتغاضي عن الخطر المؤكد
بقلم د. صفوت قابل
تم الاعلان عن تأجيل الدراسة لتبدأ في3 أكتوبر ثم اجازة أخري في6 أكتوبر, وهكذا من المتوقع أن تكون البداية الفعلية للدراسة في10 أكتوبر, وهكذا نكون قد فقدنا من العام الدراسي نحو شهر.
وكما هو معروف فإن السبب في هذا التأجيل هو الخوف من انتشار انفلونزا الخنازير وهو خطر محتمل, وتغاضينا عن الخطر المؤكد وهو تدني الحصيلة التعليمية للطلاب, وانه لا يمكن تعويض هذا النقص في مدة الفصل الدراسي إلا بحذف أجزاء أو التدريس السريع لأجزاء, وهو ما يطلق عليه بالعامية( الكروتة) ليزداد المستوي العلمي المتدهور للطلاب, وكأنه لا يكفينا التدهور الحاصل فعلا لكي نزيد منه.
والحجة وراء ذلك الاجراء هو أن صحة ابنائنا أهم, وهو بالطبع قول صحيح, ولكنه قول غير كامل, فمستقبلهم أيضا مهم, وإذا قمنا بدراسة هذا القرار سنجد انه الاجراء الأسهل, ولكنه ليس الاجراء الأصوب, فماذا يحدث لو تزايدت أعداد المصابين؟ هل سيتم إغلاق المدارس والجامعات؟ وهل لا يمكن مواجهة هذا الخطر المحتمل في ظل استمرار الدراسة, لابد من مواجهة أكثر فاعلية بدلا من منطق الإغلاق, لأننا جميعا نعرف أن كل الأماكن لدينا مزدحمة من الشوارع إلي وسائل المواصلات إلي أماكن العمل, فنحن مجتمع مزدحم, بل حتي منازلنا مكدسة بمن فيها, لذلك علي الحكومة ألا تلجأ إلي الاجراء الأسهل, ولكنه يؤدي إلي المزيد من الخسائر, بل عليها دراسة كيف تحقق الأمن الصحي في ظل واقعنا, وعليها أن تدرس تجارب الدول الأخري والمماثلة لواقعنا, وماذا فعلوا علنا نستفيد من تجاربهم بدلا من إجراءات إبراء الذمة التي يفعلها المسئولون دون أن يدركوا عواقبها السلبية.
وأعتقد أن الكثير من الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة تدخل في نطاق الاجراءات الصورية والتي تعلم أنها لن تنفذ, بل كل مهمتها هو إبراء الذمة, من ذلك مثلا القول إن الدراسة ستمتد من الثامنة صباحا وحتي الثامنة مساء وهو إجراء غير قابل للتطبيق في الجامعات الاقليمية, حيث صعوبة المواصلات وعدم استمرارها للقري, وبالتالي فجميع الطلاب يحرصون علي الانتهاء من محاضراتهم قبل أن تنقطع المواصلات لقراهم, وهو ما سيجعلهم يتكدسون في المحاضرات الصباحية, وبالتالي فلا معني للقرار بتقسيم الطلاب إلي مجموعات لاتزيد علي300 طالب, كما أن القول بتخصيص عيادة وطبيب لكل كلية لمتابعة الطلاب سيصطدم بقلة الامكانات, وسيظل ينفذ علي الورق دون أن ينفذ في الواقع.
أما ما تعلنه وزارة الصحة من أن المستشفيات مجهزة ومستعدة لاستقبال المصابين فقول يحتاح إلي مراجعة, وسأحكي عن واقعة حدثت لإحدي قريباتي, حيث ارتفعت حرارتها فجأة إلي40 درجة ونتيجة للشحن الاعلامي, وخوفا من أن تكون قد أصيبت بهذه الانفلونزا اتصلت بالخط الساخن الذي وجهها للذهاب إلي مستشفي أم المصريين بالحيزة, حيث هي المتخصصة لذلك, وفي المستشفي بدأ الأطباء في التنصل من الكشف عليها ولسان حالهم يقول لماذا جئت, ثم أخافوها بأنها سوف تحجز في المستشفي وذهبوا بها إلي حجرة العزل فوجدتها في منتهي القذارة, مما جعلها تفر من المستشفي, وبالطبع فهذا حال غالبية المستشفيات, كما أعلنت وزارة الصحة وسط احتفاء اعلامي كبير ببدء العمل بأجهزة المسح الحراري في المطارات لتكشف عن الركاب الذين يعانون من ارتفاع حرارتهم, ثم ما لبث أن بدأت الشكاوي من عدم تنفيذ ذلك للعديد من الرحلات, وهو ما يعكس خاصية أصيلة في عملنا أن تفتر المهمة في التنفيذ بعد حين, فماذا سيحدث عند عودة آلاف المعتمرين ثم الحجاج؟!
لذلك فلكي تنجح الخطة الموضوعة لمواجهة خطر انفلونزا الخنازير لابد وأن تكون غير صورية وإلا سيحدث معنا مثل ما حدث مع انفلونزا الطيور التي توطنت في مصر, وتوفي بسببها أكثر ممن توفوا في الدول التي ظهرت بها, وعلينا أن نتذكر الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة وقتها من إغلاق محال بيع الدواجن ومنع ذبح الطيور خارج المذابح, ثم بعد أكثر من سنتين تعلن من جديد ضرورة اغلاق المحال التي قالت إنها أغلقتها, كما يتضح عدم قدرة السلخانات الموجودة عن ذبح المطلوب من الدواجن لتعلن الحكومة عن خطة لم تنفذ لزيادة عدد السلخانات, وهكذا سلسلة من القرارات العشوائية لإبراء الذمة, وليس للمواجهة السليمة مما أدي لتوطن انفلونزا الطيور في مصر.
وحتي لا يكون الأمر مجرد انتقاد للإجراءات فإنني أعرض عددا من المقترحات ومنها:
* الفصل في الاجراءات بين التعليم العام والجامعي, فمن الممكن أن يكون تحديد بداية الدراسة ووقف الدراسة مختلفا, ففي الحضانة والابتدائي, يصعب السيطرة علي تصرفات الأطفال, من الممكن تأجيل الدراسة أو وقفها, بينما في الجامعات حيث الطلاب لهم القدرة علي الفهم يكون من الخطأ اللجوء إلي سياسة الإغلاق.
* ضرورة نشر حملات التوعية بصورة واضحة ومبسطة في الاجراءات المطلوب من الفرد اتباعها, وذلك في صورة ملصقات بالجامعات, وتخصيص أوقات لذلك.
* تخفيض ساعات المحاضرات, والتزام هيئة التدريس بالوجود في وقت المحاضرات بدلا من الدخول للمحاضرة متأخرا, مما يؤدي إلي زيادة الوقت الذي يتكدس فيه الطلاب.
* وتعويضا لتخفيض مدة المحاضرة لابد من تفعيل الساعات المكتبية التي يمكن للطالب خلالها لقاء الأستاذ لسؤاله عما غمض عنه من المادة العلمية, كما يمكن اللجواء إلي تكليف الطلاب بحل بعض التطبيقات لبيان مدي استيعابهم علي أن يتم تصحيح هذه التطبيقات وتعريف الطلاب بأوجه القصور في اجاباتهم.
* وضع نظام للوجود السريع للطبيب عند الحاجة إليه, أو تخصيص سيارة للكليات المتجاورة لنقل الطلاب المشتبه في حالتهم إلي أقرب مركز طبي بشرط أن يكون مجهزا ونظيفا وان يوجد به طبيب لديه الخبرة للتعامل مع الأعراض.
* امتداد الفصل الدراسي لتعويض الفترة التي تأخرت فيها بداية الدراسة.
ولابد من تأكيد ضرورة ألا تكون انفلونزا الخنازير سببا يضاف إلي ما نعانيه من العوامل التي تؤدي إلي زيادة تدهور المستوي التعليمي للطلاب.